القدر
او الحد، فقد قال تعالى في محكم كتابه العزيز: (قَدْ جَعَلَ اللَّـهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) وحداً تكوينياً أو تشريعياً لا يمكن تعديه لا من هنا ولا من هناك
وهذا ينطبق على كل شيء حتى في حب الانبياء والمعصومين عليهم السلام فلا يغالي بحبهم ولا يكن من القالين لذلك.. وهكذا في كل الامور كما في الطعام على سبيل المثال، فلا أفراط في تناوله ولا تفريط، فكثيره مضر وقليله مضر
وهذا ينطبق أيضاً على التعاملات الاجتماعية وعلى القرارات وفي الامور الحياتية كلها بلا استثناء.
ولعل اشهر ما وقع فيه الامر بين الافراط والتفريط هو (دور المرأة) وتعاملاتها وحياتها اليومية.
فمنهم من يعطيها كامل الصلاحية حتى تصل النوبة الى الامور المحرمة كالتعري والسفاح بل والابتذال حتى جعلت كسلعة في بعض الدول
ومنهم من يجعلها حبيسة الدار كأنها وصوتها عورة حتى وصلت النوبة الى حرمانها من كل شيء في المجتمع وكأنها خلقت لزوجها من اجل الجنس والخدمة.
اعلموا ان كلا الامرين يكاد يكون محرماً ألاّ ما خرج بدليل واضح وجلي.
فما أجمل أن تكون المرأة ملتزمة بأوامر خالقها وفي نفس الوقت فعالة في مجتمعها لخدمته وهدايته وتكامله لا من أجل أن تكون بضاعة مزجاة لكل من هبّ ودبّ.
وطبعا هذا الكلام ينطبق على الرجل أيضاً ، فإنه إن لم يكن محصناً ومتكاملاً فالافضل أن يكون حبيس داره فربّ مرأة عاقلة واحدة أفضل من ألف ألف رجل نزق أخرق أو جاهل.
وأما ما يشيعه البعض من وقوع الظلم على المرأة من قبل الاسلام فهو أمر يجانب الصواب بصورة جلية
بقرينتين:
الاولى: ان ما يقوم به المتحررون ودعاة تحرر المرأة حين اظهار جسدها وتمكين من هبّ ودبّ منها لهو المهانة والمذلة بل والظلم بعينه.
فهي مخلوقة جميلة رقيقة لم تخلق للعرض والاسفار والشهوة ولم تخلق لتلذذ الرجال بها.
فإن قيل: ليس هناك ربط واضح بين إسفارها وتبرجها او حتى تعريها من جهة وبين التلذذ بها من جهة.. بل ان تلك النظرة هي نظرة ضيقة لمجتمعات متخلفة !
قلنا: انها خلقت وجعل جسدها تكويناً للاثارة وهي صفة تكوينية تكاملية لا تعني عيباً أو نقصاً بل هي سنة الحياة لكن لا يجب ان تكون هي الصفة الطاغية والوحيدة من جهة كما ويجب ان لا يكون استعمالها بصورة سلبية أو ممنوعة أو محرمة.
بل ان تلك الصفة تدخل ضمن نطاق (القدر) والحدّ المحدود لا أن يكون الباب مفتوحاً على مصراعيه حاله حال جميع الامور كما اسلفنا في بداية المقال.. فلا إفراط ولا تفريط
وهذا هو الاعتدال.
الثانية: ان الاسلام نفسه أعطى للمرأة صلاحية واسعة لكنها محدودة كما في الرجل بل وفي كل الامور.. وان أمر الشرع بوجوب تستر المرأة وحجابها لا يتعارض وقيامها بواجباتها الشرعية والاجتماعية المحدودة
فإن قيل: ان فاطمة الزهراء سلام الله عليها كانت لا ترى الرجال ولا الرجال يرونها..
قلنا: يجاب بأكثر من جواب واحد
اولاً: انه تكليف خاص بها سلام الله عليها فقط.
ثانياً : انها مرحلة تمر بها النساء لتقويم نفسها وتحصينها من الشهوات والنزوات.
ثالثًا: انها مختصة ببعض الازمان أو ببعض الاماكن لا كلها.
وعموماً.. فإن تفضيل الرجل على المرأةالوارد في القرآن في قوله تعالى: (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ…) مختص بالزوج والزوجة فحسب لا مطلق الرجال على مطلق النساء ومختص بالامور العائلية فحسب فلا يعمم الامر الى غير ذلك.
مضافاً الى عدم وجود قرينة فيه تدل على إمكان منع المرأة من أن تأخذ دورها في المجتمع بشرط توفر الشروط كما يجب توفر الكثير من الشروط في الرجل ليقوم بواجباته المجتمعية، فهل يتصور الرجل الجاهل بالتجارة ان يمارس التجارة وهكذا!!.
وهل يقول الشرع بجواز عمل الرجل من دون ان تتوفر الشروط الشرعية ومنها فيما اذا كان عمله محرماً او باباً من ابواب الاثم والظلم وما شاكل ذلك ؟!
نعم، ان ضغط المجتمعات على النساء بصورة تشددية كبيرة أدّى الى انفجار بعضهن ومطالبتها بالتعري والتحرر حتى صارت لزاماً في بعض المجتمعات ان يطالب الرجل بمساواته بالمرأة لا العكس
وعليه فلابد من تجنب التشدد حتى في الانفتاح فضلاً عن باقي الامور والاّ فإننا سنخرج من ازمة لنقع فيما يشابهها او يزداد سوءا عنها.
اذن، فلا يمكن القول بتفضيل الرجل على المرأة ولا العكس.. غاية الامر ان لكل منهما حدوده التكوينية والشرعية والاجتماعية والعقلية والاخلاقية والباطنية والمعنوية وغيرها.
والسلام على من اتبع الاعتدال
محب الاعتدال
السيد مقتدى الصدر
١٤ / ٢ / ٢٠٢٠