مقالات صالح محمد العراقي

معاناة ..

سبتمبر 6, 2020

يوميا افترش الطريق لابيع بضاعتي لاقتات منها لقمة عيشي واقتسمها مع ابي العجوز واختي الصغيرة.. حينها سمعت شخصين يتحدثان بصوت مرتفع

فقال احدهما: اما ان تذهب للمسقفات او ان تذهب للمكتب

فاجابه: وهل وفروا سيارة نقل ؟

قال له نعم.. ينقلوننا لصلاة الجمعة الموحدة ولساحة التحرير ايضا

وما ان سمعت بساحة التحرير.. حتى ترقرقت عيناي دمعا.. ولهف قلبي للذهاب من اجل الاشتراك بتلك التظاهرة الاسبوعية التي دعها لها احد قادة البلد ضد الفاسدين

فقلت لاحد الذين كانوا يتبضعون مني بعض المشتريات: هل تعرف اين تقع تلك المسقفات او المكتب ؟

فصرخ بوجهي: اي مكتب!!!.. مكتب الصدر.!؟؟

قلت: نعم!!؟

قال: عود ليش تريد تندله!؟

قلت لحضور المظاهرة في ساحة التحرير

فصرخ مرة اخرى: تحضر مظاهر مع الفاسدين ضد الفاسدين.. هاي اكبر نكتة

قلت له: ان يتظاهر الفاسد ضد الفاسد افضل من ان يخضع الفاسد للفاسد

فرمى البضاعة ارضا وولى مبتعدا…

حتى اذا صار وقت الغداء وانا في حيرة من امري.. كيف سأجد

سبيلا للذهاب وانا لا املك ما يكفيني فمنذ اسبوع لم ابع شيئا..

وفي طريق العودة الى المنزل.. استوقفني مسجد وامامه تجمع كبير وكاميرات وصحافة

فدققت بالامر ففهمت ان هناك بعض الشهداء ينقلونهم الى مثواهم الاخير.. فسالت احدهم: هل هذا هو المكتب!!؟

قال: اي مكتب!؟

قلت: الذي ينقلون منه المتظاهرين الى ساحة التحرير

فقال: لا… اي مكتب اي تحرير هذا!!!.. اذهب بعيدا

ففكرت في نفسي: انا لا اعرف المسقفات ولا اعرف المكتب ولا اعرف الموعد فلا اعلان ولا اي علامة او دليل

فاكملت مسيري الى المنزل.. واذا باحدى المحال يخرج منه صوت التلفاز.. فوقفت امامه مشاهدا.. واذا بمؤتمر صحفي يعلن عن ان الجمعة هو الموعد

فقلت: يا محاسن الصدف.. واسرعت لاسال صاحب المحل وخصوصا بعد ان وجدته يعلق صورة لخارطة العراق وتحتها العلم

فقلت له: السلام عليكم

فقال: هله هله

فقلت: هل عندك تفاصيل عن هذا الخبر.. واشرت الى التلفاز

فقال: لا

فقلت: شكرا حجي

فقال: هله هله

طرقت باب المنزل كثيرا فلم يفتح والدي الباب.. فقلقت.. فتسلقت الجدار مسرعا..

فوجدت ابي في حالة يرثى لها وقد اعياه المرض.. فاسرعت الى الشارع لاستاجر سيارة وبعد فترة حصلت عليها واحضرت والدي لاذهب به لاقرب مستوصف

وفي سيارة الاجرة كان المذياع عاليا.. فاردت ان اقول لسائقها: هلا اخفضت صوت المذياع فابي مريض جدا.. الا ان صوت هتافات: جمعة عل جمعة والفاسد طلعة استوقفتني.. فسالت السائق: هل تعرف من اين ينقل المتظاهرون الى التحرير

فقال مستغربا مستهجنا: وهل هناك سيارات تنقلهم!!!!.. متى صارت المظاهرات بفلوس.. عمي كله خرط وكله فاسدة

فاجبته: عمي اللي ما عده كروة غير همه ينقلوا!؟..

فقال: ما ادري بويه ما ادري

وفي المستشفى وبعد اكمال الفحوصات.. والاطمئنان على صحة والدي.. وبعد ما كثر شوقي لساحة التحرير التي حضرت بها مع مئات الالوف وخطب بنا صاحب العمامة السوداء مناديا شلع قلع

استوقفت احدى الممرضات قائلا: اختي بلا زحمة ممكن سؤال

قالت: تفضل خويه

قلت: اريد اروح يوم الجمعة لساحة التحرير متعرفين شلون!؟

فقالت : اخفض صوتك.. اش..

وتكلمت بصوت منخفض.. قائلة: صديق اخويه يريد يحضر… وسمعت من اخويه.. ان التجمع بمحافظتنه يم المسقفات ويم المكتب

فحاولت مقاطعتها.. فاسكتتني وقالت: واخوي ما رضه يحضر ويا لان التجمعات بس يم مقرات التيار الصدري.. وكال: لو خاليه عامة يم المساجد لو يم الاسواق او غير اماكن چان حضرت

واكملت قائلة: خويه انا اقلد السيد الشهيد واحب ابنه بس لا اندل مقراتهم ولا الي علاقة بالسياسة ولا ادري شيريدون من التظاهرات لان ماكو تحشيد ولا اعلام ولا تثقيف.

فاخذتلي صفنه.. وقلت لها: والله حقچ.. اسف اختي على الازعاج

فقالت: مراح اخليك تروح مكسور الخاطر..

فاتصلت باخيها: وقالت له: اكو احد يمي يريد يحضر مظاهرة التحرير..فسمعته يقول لها: شوي واردلچ خبر

وبعد دقائق رن هاتفها: وبعدها اطرقت برأسها خجلة.. وقالت: ان صديق اخي يقول: ما الي شغل كل واحد يدبر حاله

فودعتها حزينا مستهجنا من ذاك الشخص هذا الجفاء والاهمال

لكن لم يبرد شوقي لساحة التحرير

فرجعت للمنزل: ووجدت اختي تنتظرنا.. فتناولنا الطعام.. وقالت لي: اليوم بالمدرسة بعض الطلاب ارادوا حضور مظاهرة التحرير بس محد يعرف تفاصيل.. انت ما تعرف شي…

فسكت ولم اجبها

فقالت : ليش ما تجاوبني

قلت: لا اعرف اي شي… اذهبي لاكمال واجباتك المدرسية

ودخلت لغرفتي ارتاح هنيئة قبل ان اعود لعملي.. فاخذتني الافكار ولم استطع النوم.. وقلت في نفسي: لا عندي انترنت حته اتصفح الفيس او تويتر فاسمع اخبار عن المظاهرة ولا عدي (ستلايت) ولا همه مسوين اعلانات متكلي شسوي!!؟؟..

ثم خرجت عائدا لعملي وفي الشارع وجدت سيارة كبيرة تضع لافتة (مكتب السيد الشهيد) فاسرعت نحوها لاستفسر عن التفاصيل.. فصرخت عاليا متشوقا: خوي خوي… واذا بشخصين يمسكانني من يدي ويبعدونني عن السيارة والتجمع.. فقال احدهم: لا تقترب…

فقلت: اريد الذهاب لساحة التحرير

فقال: انت من المكتب

قلت: لا

قال: عندك معرف

قلت: لا

قال: لعد روح العب بعيد

فحزنت كثيرا وخصوصا بعد دفعهم لي بقوة لارتطم بسيارة تسير في الشارع غير مسرعة

فنزل السائق معتذرا مني… اسف خوي ما شفتك خو ما تعورت

قلت له: لا عفوا.. مصار شي…

فقال: تعال اوصلك

فركبت خجلا… فبادرني.. شنو عندك شغل يم المكتب!!؟

قلت: اي عود ردت اروح لساحة التحرير بس مخلوني

قال: منو مخلاك

قلت: بعض الاشخاص… لا اعرفهم

قال: انت صدري

قلت: لا بس عراقي

قال: وجدت ضالتك

فقلت: شتقصد

فقال: انا سايق وفد دازه سماحة السيد لتفقد الرعية في محافظتكم

فقلت له: يا سيد

قال: سيد مقتدى

قلت اه: هذا الخطب بالتحرير

قال: اي.. ابو الاصلاح

فقلت: لعد صدك وجدت ضالتي

فقال حينما وقفنا بالسيارة امام مكان عملي: تجيني الخميس بعد صلاة المغرب

وسكت.. ثم قال: لالا.. اني اجيك بنفس هذا المكان اخذك وياي بعد ما يروح الوفد للنجف

قلت له: شكرا

فقال: على گولت سماحته السيد: لا شكر على واجب…

ثم اكمل قائلا: ونتعشه قبل ما نطلع لبغداد.. وهذا رقم موبايلي اذا تريد تتصل

قلت له: ما عدي موبايل

قال: لعد تعال ويا

فاشترى لي موبايل (نوكيا) واعطاني رقمه

وودعته

 وقلت في نفسي: لو خليت قلبت… ومو كل اصابعك سوه.. مثل هؤلاء يستحقون الدفاع عن الاصلاح لا الذين يتجافون ويتعالون على الضعفاء امثالي

 

صالح محمد العراقي

22 / 3 / 2017